
حقق منتخب “أسود الأطلس” إنجازا كرويا تاريخيا في مونديال قطر، حوله إلى ملحمة خالدة ألهمت الكثير من المبدعين في مجال الفن؛ خاصة الشعر والغناء، فتناسلت جملة من الأغاني والأشعار تتغنى بهذه السيمفونية الكروية على المستوى الوطني، وأيضا لدى مبدعين خارج البلاد.
ونشر شعراء على مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف الوسائل الإعلامية قصائد شعرية تنوه بهذا الأداء الكروي وتشيد بمستوى القتالية الذي أبانت عنه “كتيبة الأسود”، وبالروح الوطنية التي كانت حاضرة وملهمة لدى عموم اللاعبين والمشجعين والشعب المغربي قاطبة.
بعنوان “أنتم المجد يا أسود” كتب الأستاذ أحمد مروع قصيدته وفق قواعد عمود الشعر العربي يخلد هذه الملحمة الكروية، وعلى المنوال نفسه كتب الشاعر رشيد الوكيلي قصيدته بعنوان “أسود كأس العالم”، وكتب الشاعر المعانيد الشرقي ناجي قصيدة بعنوان “المنتخب المغربي”، وكذلك الشاعر لحسن عدنان قصيدة بعنوان “انتصارات وأشواق”. وكتب أيضا الشاعر محمد وزون قصيدته الموسومة بـ”سرور في مرابعنا يسود”، ومصطفى أولاد بن علي قصيدة تحمل عنوان “نادى المنادي”، كما أبدع الشاعر محمد بن علي زنداك قصيدة بعنوان “العقد الأنفس لأسود الأطلس”… وغير ذلك من القصائد الشعرية التي زخرت بها مواقع التواصل الاجتماعي وجرائد ومجلات، وكلها تتغنى بهذه الملحمة الكروية التي دخلت تاريخ كرة القدم العالمية.
وتعليقا على كتابة قصيدته الشعرية المعنونة بـ”أنتم المجد يا أسود”، قال أحمد مروع إن “هذه القصيدة تعبير عن القيم الوطنية التي أثارتها رياضة كرة القدم في أعماق المغاربة كافة، خلال هذا العرس الكروي العالمي؛ فكان الشعر وسيلة للتعبير عن حرارة هذه العاطفة، من خلال الإشادة بالأداء المتميز للاعبي منتخب أسود الأطلس، ولما أظهروه من براعة أبهرت أنظار العالم”.
وأكد صاحب قصيدة “أنتم المجد يا أسود”، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب ربح أكثر من كأس العالم، وذلك ما تجلى في تأكيد التجاوب والتلاحم بين أطياف المغاربة جميعا، وصدى ما تركه الأداء الرائع في كافة أنحاء العالم، سلوكا وأخلاقا”.
وتابع الشاعر ذاته قائلا: “لأول مرة أكتب قصيدة في مجال رياضة كرة القدم، لأن هذا الحدث تاريخي ويستحق تخليده بشتى الوسائل.. أهتم أساسا بكتابة أشعار وخواطر في المجال الصوفي الديني؛ لكن الشعر والإبداع عموما هو تعبير عن عاطفة جياشة ومشاعر تختلج في الفؤاد في أي لحظة، وهذا ما حصل لجميع المغاربة خلال هذا العرس الكروي العظيم لمنتخب بلادنا في قطر”.
واعتبر مروع أن “القطعة الشعرية كتبت بطريقة عفوية، هي رد فعل لما عاشه المغاربة من فرحة عبروا عنها بمختلف الصور”، مؤكدا “أن هذا الفوز التاريخي يمكن أن يعمم في مختلف مجالات الحياة”.
وختم المتحدث ذاته تصريحه قائلا: “إن إنجاز الأسود يمكن اتخاذه نموذجا قصد تحقيق التقدم والازدهار والتفوق بين الدول والشعوب”.
وبخصوص القراءة النقدية لهذا التجاوب الإبداعي مع إنجاز المنتخب الوطني، قال حسن الطويل، باحث وأستاذ زائر بالكلية متعددة التخصصات بالناظور: “جرت العادة بأن يقلل من شأن الشعر الذي يقال في المناسبات، بدعوى أنه لم يتأسس على عمق فكري- جمالي، يأخذ وقته المناسب لتأمل موضوعه واستكناه أبعاده المتعددة؛ لكن هذه النظرة ليست صائبة في جميع الأحوال، فأحيانا نصادف شعرا قيل في مناسبات طارئة، ومع ذلك يبدو في صورة تخييلية مقنعة، ويحوز القدرة على استثارة عواطف المتلقي وخياله”.
وبناء على هذا، تابع المتحدث، “يمكن القول إن هذا الشعر، الذي قيل بمناسبة انتصارات المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، لا تحدد قيمته المناسبة أو الحماسة الوطنية؛ بل تحددها قدراته التخييلية، ومسلكه في تناول حدث وطني بلغة مجنحة تستدعي عوالم خيالية موازية”.
وأضاف الطويل: “من خلال إطلالتي على بعض الأشعار التي كتبت في هذه المناسبة، تبين لي أن صنفا منها اكتفى بالتفاعل مع اللحظة بحماسة لا تحضر فيها الشعرية بقوة، وصنفا آخر استطاع أن يبدع في تناول حدث الانتصار، بأسلوب يضمن له الاستمرار في الزمن الشعري”.
ومن جهته، قال يحيى عمارة، شاعر وباحث وأستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الأول بوجدة، إن “المونديال ملتقى الكرنفالات والإبداعات. ومونديال قطر ملتقى استثنائي؛ لأن المغرب بلد الإبداع والفن والموهبة، رفع من قيمة هذه الكرنفالات والإبداعات على جميع المستويات؛ لاعبوه في عالم كرة القدم، ومبدعوه في عالم الكتابة”.
واعتبر عمارة إنجاز الأسود “استثناء كرويا أدهش العالم بكل طبقاته وفئاته”، مشيرا إلى “أن المونديال، من أوله إلى آخره، صاحبته ظاهرة ثقافية جمالية فنية تتجلى في حضور الشعر والشعراء بكل أصنافهم وتياراتهم وأساليبهم؛ الأمر الذي كان حافزا رمزيا من حوافز المساندة والدعم للمونديال والوطن خاصة”.
واعتبر المتحدث أن قرائح الشعراء، في هذه اللحظات، تفتحت معلنة عن مفهوم جديد للقصيدة يقول: إن الشعر لحظة حياة إنسانية جمالية تنبثق من سعادة الروح والجسد فرديا وجماعيا؛ فأثر الاستحقاق الكروي المغربي المدهش كان سببا مباشرا في إخراج النفس المكبوتة والمقموعة من تحجر الألم إلى فعل الحلم والأمل”، مؤكدا في الأخير “أن ما أبدعه المغاربة في ميدان اللعبة وفي كتابة القصائد ينسجم انسجاما كليا مع شعار المونديال “نحن حالمون”.